الأحزان وآلام الفقد: لا تستسلم لها، بل اسعى الى التعافي منها
الحزن هو تجربة إنسانية تتجاوز الحدود الثقافية والاجتماعية والجغرافية. هو عبارة عن فيض من المشاعر والأفكار وردود الأفعال التي يواجهها المرء عند فقدان شخص أو شيء ما. سواء كان بوفاة شخص عزيز، أو نهاية علاقة حميمية مهمة، أو تدهور الحالة الصحية، أو فقدانها، أو فقدان الوظيفة، أو الأحلام والآمال، يمكن أن يظهر الحزن بأشكال مختلفة ويمكن أن يكون عملية معقدة ما بين مراحلها المختلفة. قد تتم تجربة الحزن من خلال مزيج من المشاعر، والأعراض الجسدية، أو ردود الفعل غير المتوقعة. إلا أنه لا توجد استجابة واحدة لألم الفقد؛ فكل شخص يحزن بطريقة مختلفة. الحزن هو تجربة انسانية فريدة يعيشها كل
شخص بمفرده.
هل كل الآلام والأحزان متشابهة؟
عندما نسمع كلمة "الحزن "، أول ما يجول بخاطر الشخص هو الحداد أو الحزن الناتج عن فقد من فارق الحياة. ولكن يجب أن نتذكر أن بالإضافة إلى فقد الأحباء الذين فارقوا الحياة، هناك العديد من أنواع الأحزان الأخرى التي نواجهها في الحياة. فمثلا قد يكون هذا مفاجئًا للقارئ الكريم، ولكن فقدان شخص عزيز بسبب الفراق عند نهاية علاقة قوية قد يكون أثره النفسي مماثلاً لتجربة وفاة ذلك الشخص. كما أن فقدان الوظيفة من الأحداث التي تترك أثرا مؤلما، وخاصةً إذا فقد الشخص وظيفته بشكل اجباري مثل التقدم في العمر أو أي أسباب أخرى غير متوقعة. ففي مثل هذه الحالة يمر الشخص بمزيج من المشاعر مثل الغضب، الفزع، الحزن، اليأس، والخيبة والإحباط، وغيرها من المشاعر المختلطة. فبالإضافة لهذه المشاعر، قد يفقد الشخص أشياء أخرى مثل
طموحاته وخططه المستقبلية، الاستقرار المادي والنفسي، الثقة، الهوية والاستقلال.
يعد مثال فقدان الوظيفة من الأمثلة على أنواع الفقدان الأخرى الأساسية والتي قد لا تؤدي إلى عملية الحزن والأسى فقط ولكن قد يترتب عليها أنواع ثانوية من الفقد والتي لا ينبغي إغفالها. من الأمثلة على هذه الأنواع الثانوية: الأمان، القيم الانسانية، الروابط و العلاقات الاجتماعية، الإيمان واليقين، الصحة واللياقة البدنية، الرغبات والغرائز الجسدية، والذكريات.
فلنتذكر! ليست كل الآلام والأحزان متشابهة فبعض أنواع الفقدان يمكن أن تغير تصورك ونظرتك للحياة، قيمك، ومبادئك، وربما هويتك. هناك انواع من الفقدان تأتي بمزيد الحكمة، النضج، والمرونة. تعتبر هذه التجربة فريدة ولذلك تختلف من شخص لآخر لأن التجاوب مع مشاعر الفقد والمسار الذي يسيره الشخص في رحلة التعافي يتحدد على حسب الصفات الشخصية والعوامل الفردية الأخرى مثل أسلوب التعامل مع الحزن، السياق الثقافي والاجتماعي، طبيعة العلاقة مع المفقود، المعتقدات الدينية أو الروحية الخ
ما وراء مراحل الحزن
قدمت إليزابيث كوبلر-روس مفهوم المراحل الخمس للحزن، وهي الإنكار، الغضب، التفاوض، الاكتئاب، وأخيرا….القبول. وبينما تمثل هذه المراحل إطارًا مبدئيا لفهم الحزن، فإن الأفراد لا يمرون بالضرورة عبر هذه المراحل بنفس الترتيب الذي اقترحته كوبلر-روس. والأهم من ذلك، أن نموذج كوبلر-روس لا يتناول التغيرات التي قد تحدث في الجانب الجسدي والنفسي أثناء عملية الفقد، ولا تأخذ بعين الاعتبار أثر توفر الدعم الاجتماعي أو عدمه. في المقابل، تهتم الأطر الحديثة بإعادة تشكيل الشخصية ما بعد حدث الفقد والتكيف مع البيئة الجديدة وهذان أمران مركزيان في عملية الحزن، مما يسمح بتجربة علاجية وشفائية شاملة
العناية بالمشاعر
أحد الجوانب الحاسمة والهامة في التعافي من حزن الفقد هو السماح للنفس بالتعبير عن المشاعر بحرية والتفاعل معها والاهتمام بها! نعلم بأن كبح المشاعر يمكن أن يصعب عملية التعافي والشفاء، مما قد يؤدي لاحقا إلى اضطراب أو تبلد المشاعر. إن الاعتراف والتعبير عن هذه المشاعر سواء كان نتيجة للصدمة الحزن، الغضب ،الشعور بالذنب،الإحساس بالوحدة، أو حتى الارتياح أمر مهم لبداية عملية الاستشفاء. يمكن تحقيق ذلك من خلال التحدث مع الأصدقاء، العائلة، أو معالج نفسي مختص او الانضمام إلى مجموعات الدعم النفسي، أو من خلال ممارسة الهوايات الإبداعية مثل الكتابة، الفنون، أو الموسيقى. إذا كنت شخصًا متدينا أو روحانيا، فقد تجد الراحة النفسية والسكينة من خلال النصوص الدينية التي تناولت كيفية التعامل مع الحزن أو من خلال التحدث مع عالم ديني للإجابة على تساؤلاتك الدينية
هل ننسى أم نتعايش؟
دائما ما يُقال إن الوقت كفيل بأن ينسينا كل شيء، ولكن من الضروري التأكيد على أن الحزن ليس له جدول زمني محدد. قد يميل بعض الأشخاص إلى الاعتقاد بأن الحزن يتضاءل مع مرور الوقت تماشيا مع المعتقد السائد. لكن وفقًا لنموذج تونكين للحزن، يجد الناس طرقًا للتعايش مع الاحزان، مما يعني أنه من أجل الوصول الى الشفاء، لا يتعين علينا نسيان ألم فقدان الاشخاص او الاشياء أو التظاهر بأنها لم تحدث. بل أن نتعلم التعايش مع الفقدان، وإدراك أن الحياة ستستمر مع هذه الاحزان ولن تتوقف. قد تأخذ عملية التعايش صورا مختلفة مثل إيجاد معنى جديد لحدث الفقد، أو تجديد الإحساس بالحياة والعلاقات مع الآخرين، أو استكشاف مواهب جديدة، أو التأمل في المرونة النفسية والتغيير الروحي المكتسب نتيجة الفقد.
تذكر دائما ان الحزن قد لا يزال موجودًا، ولكنك تتعايش معه، ولست تعيش فيه
كلمة أخيرة
ضع دائما في اعتبارك أن الحزن رحلة شخصية وفريدة وخاصة للغاية. قد تكون رحلة طويلة أو قصيرة…وبسيطة أو معقدة، قد تظهر الأعراض في صور عاطفية، او إدراكية، أو سلوكية. بغض النظر عن تعاملك معها، يمكن أن تؤدي عملية الحزن إلى النمو الشخصي والمرونة النفسية ولا يوجد جدول زمني محدد متى يجب أن تبدأ في الشعور بالتحسن. كن صبورًا مع نفسك وتعامل معها برأفة ورفق. تذكر أن تعتني بنفسك وأن تسمح لها بالتعبير عن المشاعر المرتبطة بالفقد.
إذا كنت تعاني من فقد شخص أو شيء وترغب في الحصول على دعم للتعافي ، سأكون سعيدة بالاستماع اليك
:المصادر
Altmaier, E. (2011). Best practices in counselling grief and loss: Finding benefit from trauma. Journal of Mental Health Counseling, 33(1), 33-45.
Collier, L. (2016). Growth after trauma. Why are some people more resilient than others–and can it be taught? American Psychological Association.
Devine, M. (2018). It’s OK that you’re NOT OK: Meeting grief and loss in a culture that doesn’t understand. Sounds True.
Good Therapy (2018, May 20). When loss hurts: 6 physical effects of grief. GoodTherapy | When Loss Hurts: 6 Physical Effects of Grief
Hopfgarten, C. (2021). Finding Your way Through Loss & Grief: A Therapist’s Guide to Working Through Any Grieving Process. Welbeck Publishing Group.
McCoyd, J. L., & Walter, C. A. (2015). Grief and loss across the lifespan: A biopsychosocial perspective. Springer publishing company
Comentarios